صــهــيــب الــرو مــي رضــي الــلــه عــنــه
صحابي جليل من بني النمر.. عاش بداية حياته منعماً مرفهاً في العراق في قصر أبيه – وكان حاكماً على الأُبُلَّة (إحدى بلاد العراق)- وذات يوم أغار الروم عليهم، فأسروا أهلها وأخذوا الأطفال والنساء عبيداً، وكان صهيب ممن أُسروا، وعاش وسط الروم وتعلم لغتهم، ونشأ على طباعهم، ثم باعه سيده لرجل من مكة، فتعلم من سيده الجديد فنون التجارة، حتى أصبح ماهراً فيها، ولما رأى سيده فيه الشجاعة والذكاء والإخلاص في العمل، أنعم عليه وأعتقه، فاشتغل بالتجارة لحسابه الخاص وأصبح تاجراً ثرياً.
عندما أشرقت في مكة شمس الإسلام، وسمع صهيب بأمر الرسول الكريم، أسرع إلى دار الأرقم وأعلن إسلامه أمام رسول الله وحَسُن إسلامه، وكناه رسول الله بأبا يحيى.
لم يَسلَم صهيب من تعذيب مشركي مكة له، لكنه تحمّل وصبر ابتغاء مرضاة الله وحبًّا لرسوله الكريم، ولما أذن (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه بالهجرة إلى المدينة، أراد صهيب الهجرة واللحاق برسول الله (صلى الله عليه وسلم) لكن قريشاً منعته، وظل صهيباً يتحين الفرص حتى تمكّن من الفرار وتوجه شطر المدينة، وأحست قريش بهربه وأخذوا يلاحقونه حتى أدركوه، فلما رآهم عرض عليهم كل أمواله في سبيل أن يتركوه وشأنه، فوافقوا.
وصل صهيب إلى مدينة قباء وعندما رآه الرسول الكريم تبسّم له وقال: (ربح البيعُ يا أبا يحيى ربح البيعُ) وكررها ثلاثاً. ثم نزل قوله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رؤوف بالعباد) البقرة 270.
يحدثنا (رضي الله عنه) عن نفسه فيقول: "لم يشهد رسول الله مشهداً قط إلا كنتُ حاضره، ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضرها، ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضرها، ولا غزا غزوة قط إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله، وما خافوا أمامهم قط إلا كنت أمامهم، ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله بيني وبين العدو قط حتى تُوُفِّي".
كان (رضي الله عنه) بطلاً شجاعاً، كريماً جواداً، يُطعم الطعام، ويُنفق المال. قال له عمر (رضي الله عنه) يوماً: "لولا ثلاث خصال فيك يا صهيب ما قدمت عليك أحداً.. أراك تنتسب عربياً ولسانك أعجمي، وتُكنى بأبي يحيي، وتبذر مالك".
أجابه صهيب: "أما تبذيري مالي فما أنفقه إلا في حقه، وأما اكتنائي بأبي يحيى، فإن رسول الله كناني بأبي يحيى فلن أتركها، وأما انتمائي إلى العرب فإن الروم سبتني صغيراً، فأخذت لغتهم، وأنا رجل من النمر بن قاسط".
روى (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أحاديث كثيرة، وروي عنه بعض الصحابة والتابعين (رضوان الله عليهم أجمعين).
توفي (رضي الله عنه) بالمدينة المنورة سنة 38هـ وعمره 73 سنة، ودفن بالبقيع.
ـــ مختصر من كتاب رجال حول الرسول و سيرة الصحابة رضي الله عنهم